تمظهــــرات الخطـــاب الاســتشراقي، فــــي إطـــار نزعة الــــقوة، والفوقية، والسلطة
الملخص
إذ يأتي الخطاب الاستشراقي في إطار القوة، والفوقية، والسلطة، هل يمكن أن تتغير رؤية الغرب الاستشراقية للشرق، إذا تحققت تغيّرات جذرية في بنية الغرب وفي علاقة القوة، والسلطة القائمة بينه وبين الشرق؟
من هذا التساؤل المعرفي، انطلقت رحلتنا البحثية في محاولة للبحث في أُطر، وجوانب هذا التساؤل، ثم محاولة الإجابة عنه، أو تقديم مقترح للإجابة في ظل الأسس، والتمثلات، والمقولات التي بني عليها الخطاب الاستشراقي. وليس بالضرورة أن يكون جواباً شافياً أو مقنعاً للجميع، وإنما يكفي أن نثير الأسئلة ونناقشها وفق المعطيات والمفترضات الموجودة.
ونرى من الضروري في البدء أن ننوه إلى أننا سنعتمد في ورقتنا البحثية -بشكل رئيس- على مقولات إدوارد سعيد ورؤاه في مجال الاستشراق بشكل عام، ولاسيّما كتابه الذي يحمل عنوانه اسم هذا المجال، مع عدم إغفال، أو ترك التوسع إلى المصادر الأخرى، الباحثة في هذا الميدان، لإثراء رؤى البحث وتطلعاته العلمية والمنهجية. علماً بأننا سنعتمد في كتاب الاستشراق على ترجمة د. محمد عناني، لوضوحها، واختلافها عن ترجمة كمال أبو ديب التي يلفها الغموض، فضلاً عن التوعر، والتصرف المصطلحي.
ولعلّ الضرورة التوضيحية هي التي تقودنا إلى البدء -برحلتنا البحثية هذه- بالوقوف أولاً في هذه المحطة، لكي نلج من خلالها إلى كنه البحث وتشعباته المنهجية التي تخص مسألة نزعة القوة والسلطة والفوقية، التي قام عليها معظم الخطاب الاستشراقي، بوصفها أحد أهم عناصر تكونه وتبلوره في الصورة التي بدا عليها طيلة مراحل تشكله.
ونحتاج هنا إلى أن نذكّر بأنه لا يجوز للباحثين في ميدان الاستشراق أن يقتصروا جهدهم البحثي في التركيز فقط على أن الاستشراق ظاهرة سياسية- استعمارية فحسب، لم تكن ترى في الشرق إلاّ ما تتوق إليه بوصفه مستعمرة يخضع لتطلعاتها ويخدم مصالحها في الهيمنة، والتوسع على أكبر قدر ممكن من بقاعه، بل يجب التعامل مع الاستشراق (بوصفه ظاهرة علمية أو ثقافية)[i] من مختلف جوانبها، بعيداً عن الرؤية الأحادية الجانب التي تجعل من الاستشراق ميداناً ينحصر ضمن الرؤية الاستعمارية فقط. لذا فإن الخطاب الاستشراقي، أو عمل المستشرق، أو الباحث في أمور الشرق بشكل عام، قد لا يكون عمله مندرجاً بشكل دائم في مجال خدمة الأغراض الاستعمارية، إذ يجب علينا الابتعاد عن التعميم لكي لا نقع في التباسات لا داعي لها.
[i] ينظر: الاستشراق في ميزان الفكر الإسلامي، د. محمد إبراهيم الفيومي، 9.