قراءة مقارنة في شعر بريفير والسياب
الملخص
لقد شهد القرن العشرين سلسلة من التغيرات والاحداث التي لم تقتصر على الوضع السياسي والاجتماعي وانما تعدته لتشمل كل نواحي الحياة ومنها الادب. فقد كان للادب دور واضح وكبير ليس في نقل وتوثيق الاحداث فحسب وانما في بلورة فكر تحرري جديد من خلال تعاقب التيارات الادبية التي سادت تلك الفترة. فقد تحرر الشعر من قيوده القديمة ونحى منحى الحرية متجها في محتواه نحو الخيال الواقعي لعكس احلام الشعوب في التحرر والخلاص. فقد جاءت السريالية لتعبر عن واقع حال صعب ولترسم صورة لمستقبل زاهر. بريفير والسياب شاعران ملتزمان عبرا عن رفضهما للظلم والاضطهاد في تلك الفترة الامر الذي احدث تغييرا في ماهية الشعر. فقد اتجه بريفير الى كل ما هو مالوف ويومي ليصور الواقع ويسجل وقفة تضامن مع مايعانيه الشعب. اما السياب فقد غير شكل القصيدة وحررها من قيودها لتكون رمزا للحرية.
يعد الأدب المقارن واحدا من المواضيع البحثية المهمة التي تساعد في إيجاد علاقات جديدة والحصول على نتائج لا تتيحها الأنواع الأخرى من الدراسات.
البحث الحالي هو دراسة مقارنة بين كاتبين تتناول في جانب منها النقد الترجمي. فالسياب وبريفير شاعران معاصران وان لإطلاع السياب على الأدب الغربي حدى بنا للقيام بهذه الدراسة.
تتناول الدراسة حياة الكاتبين ونقاط التشابه والاختلاف بينهما. فبريفير والسياب شاعرا حداثة فقد وظف بريفير كل ما هو يومي للتعبير عن الواقع وخاصة أحداث الحربين العالمتين أما السياب فقد كان لوجعه نقطة الانطلاق للتعبير عن معاناة الآخرين. هذا من ناحية الكتابة أما من ناحية المواضيع فقد كان للمطر دور بارز في كتاباتهما التي وان كانت لا تخلو من مرارة الواقع الأليم لكنها تحمل في طياتها الأمل بغد زاهر للأجيال القادمة.
لكن هذه الدراسة المقارنة بين الكاتبين جعلتنا نجد علاقة جديدة تربطهما ألا وهي الترجمة. فما يميز السياب هو الحداثة في الشعر أما جانب الترجمة فهو مجهول لدى القارئ. فقد ترجم السياب قصائد لشعراء من العالم اجمع. وتعقيبا على المقولة لا يترجم الشعر إلا شاعر فقد جاءت ترجمة السياب لقصيدة بريفير مطابقة للمضمون ولكنها مختلفة بالشكل ولا تمت للنص الفرنسي بصلة بما في ذلك العنوان الذي استبدله السياب بعنوان آخر يدل على مضمون القصيدة. وجاءت الترجمة بطابع الشعر العربي الحديث والأسلوب الشعري والنظمي للسياب والتي لا يختلف اثنين بنسبها إلى السياب. صحيح أن الترجمة هي إعادة كتابة للنص الأصلي لكن مع الحفاظ على روح النص الأصلي. أما في حالة السياب فان ترجمته تقترب من التأليف أكثر من كونها مجرد عملية نقل.
الدراسة المقارنة جعلتنا نستنتج بان بريفير والسياب عمودان من أعمدة الشعر الحديث. فإذا كان بريفير قد شارك في انبثاق الحركة السريالية فان السياب يعد رائد الشعر الحر في العراق والعالم العربي. وبما ان الشاعرين عاصرا الحروب والوضع المتأزم في القرن العشرين فقد تميزا بفكرهما الثوري الرافض لكل أشكال الظلم والمتطلع للاستقلال والحرية. وإذا كان بريفير قد عُرف ببساطة قصائده رغم لغتها اللعوب فان ما يميز شعر السياب لغته الصارمة وتفعيلات قصائده الطويلة.