باربارا : البنية والدلالة دراسة تحليلية للغة جاك بريفير في قصيدة باربارا
الكلمات المفتاحية:
التعبير ، وأفعال الكلام ، ووظائف اللغة ، والمجال المعجمى ، والبشارة الغنائية ، والآية المجانية.الملخص
يتناول هذا البحث دراسة لغة جاك بريفير في قصيدة "باربارا" وذلك من خلال تحليل البنى المكونة لهذه القصيدة والتي تشمل : بنية الثيمات والشخصيات والتركيبة النحوية وتركيبة المفردات ودلالتها ويشمل كذلك دراسة البنية الشكلية وبعض العلامات الفارقة التي تميز أسلوب الشاعر بالإضافة إلى دراسة وحدة الزمان والمكان المتناولة في القصيدة.
كان لتركيبة الجمل النحوية أثرها المميز في إبراز ثيمات القصيدة : الذكرى والحنين إلى الماضي والحرب العالمية الثانية, ورسم ملامح وادوار شخصيات القصيدة المتمثلة بالشاهد على الحدث )الشاعر( وباربارا والحبيب. تميزت التركيبة النحوية بخلوها من التعقيد وباستخدام الشاعر لضمير المتحدث انا je) ( وضمير المخاطب أنتtu) ( لدى مخاطبته باربارا والذي ساهم بإضفاء أجواء التواد والتقارب. اما استخدام الشاعر للازمنه غير المعقدة كالمضارع والماضي المركب والماضي الناقص (présent, passé composé et l'imparfait)ساعد كثيرا على انسيابية الفكرة وسلاسة اللفظ. فتميز الشطر الأول من القصيدة باستخدام أزمنه الماضي لاستذكار الماضي السعيد حيث الحب والسلام يملأن أجواء مدينة بريست (Brest). اما الشطر الثاني من القصيدة فتميز في الغالب باستخدام زمن المضارع لوصف الحاضر المريع المتمثل بالحرب حيث الدمار والخراب والحزن والحداد. وقد تنوعت الجمل بين الاستفهامية والتعجبية وجمل الإثبات واستخدام أفعال الخطاب اللفظية.
اشتمل البحث أيضا على دراسة تركيبة المفردات والصور الشعرية التي بينت إن القصيدة منقسمة إلى شطرين. احتوى الشطر الأول على صور من الماضي توحي بحياة هادئة ومستقرة مفعمة بالحب في مدينة سعيدة. فكانت الدعوة لباربارا لاستذكار ذلك الماضي الجميل والذي تمثل بلقاء الأحبة تحت المطر. وتصف في الشطر الثاني الحرب وبشاعتها وآثار الدمار نتيجة القصف الوحشي الذي تعرضت له المدينة وانعدام مظاهر الحياة فيها والمصير المجهول للمحبين. فتنوعت المفردات بين معاني الفرح والحب في الشطر الأول والحزن والدم والموت والعدم في الشطر الثاني. لجأ الشاعر إلى مفردة المطر للتعبير عن شدة القصف الذي عانت منه المدينة مما زاد التعبير بلاغة في رسم صورة عميقة لوصف ضراوة الحرب. في حين أضفى استخدامه للمطر في بداية القصيدة ملامح جميلة لمشاعر إنسانية ولمقارنه وضع المدينة في كلتا الحالتين السلام والحرب.
اتسمت البنية الشعرية للقصيدة باستخدام البيت الحر والابتعاد عن الوزن والقافية. كما استبعد بريفير استخدام علامات التنقيط. وتميز أسلوب الشاعر بالتعبير عن الذات وعما يحب وعن موقفه من الأخر ومن الحرب. فكان حاضرا من خلال ضمير الأنا لاسيما في مخاطبته لباربارا ووصفه لمظاهر السلام والحياة والحب في بريست. واختفاء هذه الأنا أي التعبير عن الذات عندما تحولت القصيدة إلى وصف الحرب والدمار.
اختار بريفير لقصيدته مدينة بريست الفرنسية وهي مدينة تقع في شمال غرب فرنسا. تعتبر هذه المدينة ميناء عسكري ذو أهمية وهذا ربما يفسر القصف العنيف الذي تعرضت له إبان الحرب والذي عبر عنه الشاعر بصور شعرية مؤثرة. إن ذكر بعض المعالم المميزة في المدينة (rue de Siam, l'arsenal, bateau d'Ouessant) يعطي المتلقي انطباعا بان الشاعر على معرفة جيدة بهذه المدينة وبماضيها السعيد والتي عاش فيها الناس بسلام ومحبة. ينتقل بعد ذلك الشاعر إلى الزمن الحاضر, وهو زمن المتكلم (l'énonciateur) أي زمن الحرب حيث الدمار والموت يعمان أرجاء المدينة.
يهدف هذا البحث من خلال هذه الدراسة المستفيضة للبنى المكونة لقصيدة باربارا ودلالاتها إلى تسليط الضوء على لغة جاك بريفير في هذه القصيدة التي استخدمها في التعبير عن الذات او في وصف الاخر او في ابراز الصور الشعرية المتعلقة بالسلام والحرب. لقد ميزت هذه اللغة قصائد بريفير وهي لغة مبسطة وقريبة من اللغة المتداولة في الحوارات اليومية. وبذلك ساهم الشاعر بتقريب المسافات بين لغة الكتابة واللغة الدارجة وساعد على إنتاج لغة سلسلة وعفوية وغير متكلفة والتي كان لها دور كبير في انتشار قصيدة باربارا في العالم.